ليست المدن مجرد أبنية من حجر وحديد، بل كائنات حية تبوح بما في داخلها عبر أضوائها. حين يحلّ الليل، تتحول الشوارع إلى سطور مضيئة، تكتب على صفحة السماء رسائلها الصامتة. كل مصباح يروي قصة ركن، وكل نافذة مضاءة تكشف عن حكاية أسرة أو سهر عابر أو عاشق يكتب رسالته الأخيرة.
المدن التي تكتب بالضوء تمنح ساكنيها شعورًا مزدوجًا؛ فهي في الوقت نفسه ملاذ من العتمة، وإشارة إلى أن الحياة لا تتوقف حتى في أكثر اللحظات صمتًا. من بعيد، تبدو المدينة مثل لوحة فسيفسائية، تتناثر فيها النقاط المضيئة كما لو كانت نجومًا سقطت من السماء لتستقر على الأرض.
وعلى الرغم من ضجيجها، فإن لهذه الأضواء قدرة غريبة على بث الطمأنينة. فهي تؤكد أن المدينة لا تزال مستيقظة، وأن الأرواح بداخلها ما زالت تنبض بالحياة، وأن لكل نافذة مضاءة رسالة غير مكتوبة لكنها محسوسة.